فصل: المسألة الثامنة: (عدم توجه الفعلين المعطوفين إلى شيء واحد):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.المسألة الثالثة: [ارتباط الفعل بالفاعل]:

قالوا: الفاعل كالجزء من الفعل، والمفعول ليس كذلك، وفي تقريره وجوه:
الأول: أنهم قالوا ضربت فاسكنوا لام الفعل لئلا يجتمع أربع متحركات، وهم يحترزون عن تواليها في كلمة واحدة، وأما بقرة فإنما احتملوا ذلك فيها لأن التاء زائدة، واحتملوا ذلك في المفعول كقولهم ضربك، وذلك يدل على أنهم اعتقدوا أن الفاعل جزء من الفعل، وأن المفعول منفصل عنه، الثاني: أنك تقول: الزيدان قاما أظهرت الضمير للفاعل، وكذلك إذا قلت زيد ضرب وجب أن يكون الفعل مسند إلى الضمير المستكن طردًا للباب، والثالث: وهو الوجه العقلي أن مفهوم قولك ضرب هو أنه حصل الضرب لشيء ما في زمان مضى، فذلك الشيء الذي حصل له الضرب جزء من مفهوم قولك ضرب، فثبت أن الفاعل جزء من الفعل.

.المسألة الرابعة: [الإضمار قبل الذكر]:

الإضمار قبل الذكر على وجوه:
أحدها: أن يحصل صورة ومعنى، كقولك ضرب غلامه زيدًا والمشهور أنه لا يجوز لأنك رفعت غلامه بضرب فكان واقعًا موقعه والشيء إذا وقع موقعه لم تجز إزالته عنه، وإذا كان كذلك كانت الهاء في قولك غلامه ضميرًا قبل الذكر، وأما قول النابغة:
جزى ربه عني عدي بن حاتم ** جزاء الكلاب العاويات وقد فعل

فجوابه: أن الهاء عائدة إلى مذكور متقدم، وقال ابن جني: وأنا أجيز أن تكون الهاء في قوله ربه عائدة على عدي خلافًا للجماعة، ثم ذكر كلامًا طويلًا غير ملخص، وأقول: الأولى في تقريره أن يقال: الفعل من حيث أنه فعل كان غنيًا عن المفعول لكن الفعل المتعدي لا يستغنى عن المفعول، وذلك لأن الفاعل هو المؤثر، والمفعول هو القابل، والفعل مفتقر إليهما ولا تقدم لأحدهما على الآخر، أقصى ما في الباب أن يقال إن الفاعل مؤثر، والمؤثر أشرف من القابل، فالفاعل متقدم على المفعول من هذا الوجه، لأنا بينا أن الفعل المتعدي مفتقر إلى المؤثر وإلى القابل معًا وإذا ثبت هذا فكما جاز تقديم الفاعل على المفعول وجب أيضًا جواز تقديم المفعول على الفاعل.
القسم الثاني: وهو أن يتقدم المفعول على الفاعل في الصورة لا في المعنى؛ وهو كقولك ضرب غلامه زيد: فغلامه مفعول، وزيد فاعل، ومرتبه، المفعول بعد مرتبة الفاعل، إلا أنه وأن تقدم في اللفظ لكنه متأخر في المعنى.
والقسم الثالث: وهو أن يقع في المعنى لا في الصورة، كقوله تعالى: {وَإِذِ ابتلى إبراهيم رَبُّهُ بكلمات} [البقرة: 124] فهاهنا الإضمار قبل الذكر غير حاصل في الصورة، لكنه حاصل في المعنى، لأن الفاعل مقدم في المعنى، ومتى صرح بتقديمه لزم الإضمار قبل الذكر.

.المسألة الخامسة: [إظهار الفاعل وإضماره]:

الفاعل قد يكون مظهرًا كقولك ضرب زيد، وقد يكون مضمرًا بارزًا كقولك ضربت وضربنا، ومضمرًا مستكنًا كقولك زيد ضرب، فتنوي في ضرب فاعلًا وتجعل الجملة خبرًا عن زيد، ومن إضمار الفاعل قولك إذا كان غدًا فأتني، أي: إذا كان ما نحن عليه غدًا.

.المسألة السادسة: [قد يحذف الفعل]:

الفعل قد يكون مضمرًا، يقال: من فعل؟ فتقول: زيد، والتقدير فعل زيد، ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَد مّنَ المشركين استجارك فَأَجِرْهُ حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله} [التوبة: 6] والتقدير وإن استجارك أحد من المشركين.

.المسألة السابعة: [التنازع في العمل]:

إذا جاء فعلان معطوفًا أحدهما على الآخر وجاء بعدهما اسم صالح لأن يكون معمولًا لهما فهذا على قسمين، لأن الفعلين: أما أن يقتضيا عملين متشابهين، أو مختلفين وعلى التقديرين فأما أن يكون الاسم المذكور بعدهما واحدًا، أو أكثر فهذه أقسام أربعة:
القسم الأول: أن يذكر فعلان يقتضيان عملًا واحدا، ويكون المذكور بعدهما اسمًا واحدًا، كقولك: قام وقعد زيد، فزعم الفراء أن الفعلين جميعًا عاملان في زيد، والمشهور أنه لا يجوز؛ لأنه يلزم تعليل الحكم الواحد بعلتين، والأقرب راجح بسبب القرب، فوجب إحالة الحكم عليه، وأجاب الفراء بأن تعليل الحكم الواحد بعلتين ممتنع في المؤثرات، أما في المعرفات فجائز، وأجيب عنه بأن المعرف يوجب المعرفة، فيعود الأمر إلى اجتماع المؤثرين في الأثر الواحد.
القسم الثاني: إذا كان الاسم غير مفرد، وهو كقولك، قام وقعد أخواك، فهاهنا إما أن ترفعه بالفعل الأول، أو بالفعل الثاني، فإن رفعته بالأول قلت: قام وقعدا أخواك، لأن التقدير قام أخواك وقعدا، أما إذا أعملت الثاني جعلت في الفعل الأول ضمير الفاعل، لأن الفعل لا يخلوا من فاعل مضمر أو مظهر، تقول: قاما وقعد أخواك، وعند البصريين إعمال الثاني أولى، وعند الكوفيين إعمال الأول أولى، حجة البصريين أن أعمالهما معًا ممتنع، فلابد من إعمال أحدهما، والقرب مرجح، فإعمال الأقرب أولى، وحجة الكوفيين أنا إذا أعملنا الأقرب وجب إسناد الفعل المتقدم إلى الضمير، ويلزم حصول الإضمار قبل الذكر، وذلك أولى بوجوب الاحتراز عنه.
القسم الثالث: ما إذا اقتضى الفعلان تأثيرين متناقضين، وكان الاسم المذكور بعدهما مفردًا، فيقول البصريون إن إعمال الأقرب أولى، خلافًا للكوفيين، حجة البصريين وجوه؛ الأول: قوله تعالى: {آتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96] فحصل هاهنا فعلان كل واحد منهما يقتضي مفعولًا: فأما أن يكون الناصب لقوله قطرًا هو قوله آتوني أو أفرغ، والأول باطل، وإلا صار التقدير آتوني قطرًا، وحينئذٍ كان يجب أن يقال أفرغه عليه، ولما لم يكن كذلك علمنا أن الناصب لقوله قطرًا هو قوله أفرغ؛ الثاني: قوله تعالى: {هَاؤُمُ اقرؤا كتابيه} [الحاقة: 19] فلو كان العامل هو الأبعد لقيل هاؤم اقرؤه، وأجاب الكوفيون عن هذين الدليلين بأنهما يدلان على جواز أعمال الأقرب، وذلك لا نزاع فيه، وإنما النزاع في أنا نجوز أعمال الأبعد، وأنتم تمنعونه وليس في الآية ما يدل على المنع.
الحجة الثالثة: للبصريين أنه يقال: ما جاءني من أحد، فالفعل رافع، والحرف جار، ثم يرجح الجار لأنه هو الأقرب.
الحجة الرابعة: أن إهمالهما وإعمالهما لا يجوز، ولابد من الترجيح، والقرب مرجح، فأعمال الأقرب أولى.
واحتج الكوفيون بوجوه: الأول: أنا بينا أن الاسم المذكور بعد الفعلين إذا كان مثنى أو مجموعًا فأعمال الثاني يوجب في الأول الإضمار قبل الذكر وأنه لا يجوز، فوجب القول بأعمال الأول هناك، فإذا كان الاسم مفردًا وجب أن يكون الأمر كذلك طردًا للباب.
الثاني: أن الفعل الأول وجد معمولًا خاليًا عن العائق، لأن الفعل لابد له من مفعول، والفعل الثاني وجد المعمول بعد أن عمل الأول فيه، وعمل الأول فيه عائق عن عمل الثاني فيه ومعلوم أن أعمال الخالي عن العائق أولى من أعمال العامل المقرون بالعائق.
القسم الرابع: إذا كان الاسم المذكور بعد الفعلين مثنى أو مجموعًا فإن أعملت الفعل الثاني قلت ضربت وضربني الزيدان وضربت وضربني الزيدون، وإن أعملت الأول قلت ضربت وضرباني الزيدين وضربت وضربوني الزيدين.

.المسألة الثامنة: [عدم توجه الفعلين المعطوفين إلى شيء واحد]:

قول امرئ القيس:
فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة ** كفاني ولم أطلب قليل من المال

ولكنما أسعى لمجد مؤثل ** وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي

فقوله: كفاني ولم أطلب ليسا متوجهين إلى شيء واحد، لأن قوله كفاني موجه إلى قليل من المال، وقوله ولم أطلب غير موجه إلى قليل من المال، وإلا لصار التقدير فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة لم أطلب قليلًا من المال، وكلمة لو تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره فيلزم حينئذٍ أنه ما سعى لأدنى معيشة ومع ذلك فقد طلب قليلًا من المال، وهذا متناقض، فثبت أن المعنى ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة كفاني قليل من المال ولم أطلب الملك، وعلى هذا التقدير فالفعلان غير موجهين إلى شيء واحد، ولنكتف بهذا القدر من علم العربية قبل الخوض في التفسير. اهـ.